فصل: ثم دخلت سنة سبع عشرة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


وفي هذه السنة

 حج بالناس عمر بن الخطاب

وكان عامله على مكة عتاب بن أسيد وعلى الطائف يعلى بن أمية وعلى الكوفة وأرضها سعد بن أبي وقاص وعلى قضائها أبو قرة وعلى البصرة وأرضها المغيرة بن شعبة‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن ثعلبة أبو ثابت الخزرجي

كان يكتب في الجاهلية وكانت الكتابة في العرب قليلًا وكان يحسن العوم والرمي وكان من اجتمع له ذلك يسمى الكامل وكان سعد بن عبادة وعدَة من آباء له قبله في الجاهلية ينادى على أطمهمِ‏:‏ من أحب الشحم واللحم فليأت أطم دليم بن حارثة وكان ينادى على أطم أبيه أيضاَ‏.‏

أخبرنا عبد اللّه بن علي المقري بإسناده عن محمد بن سيرين قال‏:‏ كان أهل الصفة إذا أمسوا ينطلق الرجل بالرجل والرجل بالرجلين والرجل بالخمسة فأما سعد بن عبادة فكان ينطلق بثمانين كل ليلة‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد غيلان أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد اللّه الشافعي حدَثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي حدَّثنا مسدد حدَثنا حماد عن هشام عن ابن سيرين‏:‏ أن سعد بن عبادة كان يبسط ثوبه ويقول‏:‏ اللهم وسع عليَّ فإنه لا يسعني إلا الكثير‏.‏

قال الحربي‏:‏ وحدَثنا أبو بكر حدَّثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه‏:‏ أن سعد بن عبادة كان يدعو‏:‏ اللهم هب لي حمدًا ومجدًا لا مجد إلا بفعال ولا فعال إلا بمال اللهم لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه‏.‏

قال الحربي‏:‏ وحدًثنا أبو بكر قال‏:‏ حدًثنا عيسى عن الأوزاعي عن يحيى يعني ابن أبي كثير قال‏:‏ كان للنبي صلى الله عليه وسلم من سعد كل يوم جفنة تدور معه حيث دار وكان يقول‏:‏ اللهم ارزقني مالًا فلا يصلح الفعال إلا بمال‏.‏

قال علماء السير‏:‏ أسلم سعد وشهد العقبة مع السبعين وكان أحد النقباء الإثني عشر وتهيأ للخروج إلى بدر فنهش فأقام وشهد أحدًا والمشاهد بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

ولما توفي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اجتمعت الأنصار فأمروه فلما بويع لأبي بكر لم يبايعه سعد ولا بايع عمر وخرج إلى الشام ومات بحَوْران‏.‏

وكان سبب موته أنه جلس يبول في نفق فاقتتل من ساعته ووجدوه قد اخضر جلده وسمع غلمان بالمدينة قائلًا نَحْن قَتَلْنَا سَيْدَ الخَزْرَج سعدَ بنُ عَباده‏.‏

وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ فَلَمْ تُخْطِ فُؤادهُ فذعر الغلمان فحفظوا ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد بحوران‏.‏

عبد اللّه بن الزبعرى

ابن قيس بن عدي بن سعد بن سهم الساعدي‏:‏ كان يهجو أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ويحرض المشركين على المسلمين في شعره ويهاجي حسان بن ثابت وغيره من شعراء المسلمين ويسير مع قريش حيث سارت لحرب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فلما دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح هرب حتى انتهى إلى نجران فدخل حصنها وقال لأهلها‏:‏ أما قريش فقد قتلت ودخل محمد مكة ونحن نرى أن محمدًا سائر إلى حصنكم‏.‏

فجعلوا يصلحون ما رثَّ من حصنهم ويجمعون ماشيته ثم انحدر ابن الزبعري إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يعتذر إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا رسول المليكِ إِنَ لِسَاني رَاتِق مَا فَتَقتُ إِذْ أنَا بورً إذ أجاري الشيطان في سنن الع ى ومن مال ميله مثبور يشهد السمع والفؤاد بما قل ت ونفسي الشهيد وهي الخبير إن ما جئتنا به حق صدق ساطع نوره مضيء منير أذهب الله ظلمة الجهل عنا وأتانا الرخاء والميسور وقال أيضًا يعتذر إلى رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ منع الرقاد بلابل وهموم والليل معتلج الرواق بهيم مما أتاني أن أحمد لامني فيه فبت كأنني محموم يا خير من حملت على أوصالها غير أنه سرح اليدين غشوم إني لمعتذر إليك من الذي أسديت أذنا في الضلال أهيم أيام تأمرني بأسوأ خطة سهم وتأمرني بها مخزوم وأمد أسباب الردى ويقودني أمر الغواة وأمرهم مشؤوم معنت العداوة وانقضت أسبابها وأتت أواصر بيننا وحلوم فاغفر فدى لك والديَ كلاهما وارحم فإنك راحم مرحوم وعليك من سمة المليك علامة فوز أعز وخاتم مختوم أعطاك بعد محبة برهانه شرفًا وبرهان الاله عظيم بعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عاداه وهجاه وهجا أصحابه‏.‏

وكان شاعرًا فمكث عشرين سنة عدوًا لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولا يتخلف عن موضع تسير فيه قريش لقتال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فلما تحرك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم للخروج إلى غزاة الفتح ألقى اللّه في قلبه الإسلام فجاء إلى زوجته وولده فقال‏:‏ تهيأوا للخروج فقد أظل قدوم محمد فقالوا له‏:‏ آن لك أن تنصر العرب والعجم قد تبعت محمدًا وأنت موضع في عداوته وكنت أولى الناس بنصرته فخرج يريد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد نذر دمه فلقي رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحول إلى الجانب الآخر فأعرض عنه فقال‏:‏ أنا مقتول لا محالة فأسلم وخرج معه حتى شهد فتح مكة وحنينًا‏.‏

قال‏:‏ فلما لقينا العدو بحنين اقتحمت عن فرسي وبيدي السيف صُلتًا واللّه يعلم أني أريد الموت دونه وهو ينظر إليَّ فقال العباس‏:‏ يا رسول اللّه هو أخوك وابن عمك أبو سفيان بن الحارث فارض عنه قال‏:‏ ‏"‏ قد فعلت ‏"‏ فغفر اللّه له كل عداوة عدانيها ثم التفت إليّ فقال‏:‏ أخي لعمري فقبلت رجله في الركاب وقلت‏:‏ لا تثريب قال‏:‏ لا تثريب‏.‏

حج أبو سفيان في هذه السنة فحلقه الحلاق بمنى وفي رأسه ثًؤْلولٌ فقطعه فكان سبب موته‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر قال‏:‏ أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا ابن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا الفضيل بن دُكين قال‏:‏ حدَثنا سفيان عن أبي إسحاق قال‏:‏ لما حضر أبا سفيان بن الحارث الوفاة قال لأهله‏:‏ لا تبكوا عليَّ فإني لم أتَنَطَّفْ بخطيئة منذ أسلمت‏.‏

قال علماء السير‏:‏ مات أبو سفيان بالمدينة في هذه السنة‏.‏

وقيل‏:‏ بل مات في سنة عشرين وحفر قبر نفسه قبل موته بثلاثة أيام وصلى عليه عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه‏.‏

 ثم دخلت سنة ست عشرة

فمن الحوادث فيها

 فتح مدينة بهرسير

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا الخطيب قال‏:‏ والمدائن على جانبي دجلة شرقًا وغربًا ودجلة تشق بينهما وتسمى المدينة الشرقية العتيقة وفيها القصر الأبيض القديم الذي لا يدرى من بناه ويتصل بها المدينة التي كانت الملوك تنزلها وفيها الإيوان وتعرف بأسبانير‏.‏

وأما المدينة الغربية فتسمى بَهُرسير وكان الإسكندر قد بنى بالمغرب الاسكندرية وبخراسان العليا سمرقند ومدينة الصُغد وبخراسان السفلى مرو وهراة وجال في الأرض فلم يختر منزلًا سوى المدائن فنزلها‏.‏

وبنى بها مدينة عظيمة وجعل عليها سورًا أثره باقٍ إلى الآن وهي المدينة التي تسمى الرومية في جانب دجلة الشرقي وأقام الإسكندر بها ومات فحمل منها إلى الاسكندرية لمكان أمه‏.‏

وكل الملوك اختاروا المدائن وإنما سميت المدائن لكثرة من بنى بها من الملوك الأكاسرة‏.‏

والذي بنى الإيوان هو شابور بن هرمز المعروف بذي الأكتاف وكان ملكه اثنتين وسبعين سنة‏.‏

قال علماء السير‏:‏ أمر عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه سعد بن أبي وقاص بعد القادسية بالمسير إلى المدائن وعهد إلية أن يخلف النساء والعيال بالعتيق ويجعل معهم من يحرسهم من الجند ويسهم لأولئك الجند من المغنم ما داموا يحفظون عيال المسلمين فأقام سعد بعد الفتح شهرين بالقادسية ثم ارتحل بعد الفراغ من أمرها لأيام بقين من شوال ولقي جماعة من أصحابه جموعًا من فارس يوم برس فهزموهم إلى بابل فلحقوهم فقتلوا منهم‏.‏

وأقام سعد ببابل أياماَ ثم جاء إلى كوثى وأتى المكان الذي حبس فيه إبراهيم عليه السلام وقدم سعد زهرة بن الحوية إلى بهرسير فتلقاه شيرزاد بساباط بالصلح وتأدية الجزية فبعثه إلى سعد ولحق سعد بزهرة فنزلوا بهرسير وبث سعد الخيل فأغارت ما بين دجلة إلى من له عهد من أهل الفرات فأصابوا مائة ألف فلاح فكتب بذلك إلى عمر فكتب عمر‏:‏ إذا كان الفلاحون مقيمون لم يعينوا عليكم فهو أمانهم ومن هرب فأدركتموه فشأنكم به‏.‏

فخلى سبيلهم وتحصنت العجم بيهرسير ونصب عليهم سعدُ عشرين منجنيقًا‏.‏

وحصروهم شهرين حتى أكلوا الكلاب والسنانير وربما خرج الأعاجم يمشون على المُسَنَّيات المشرفة على دجلة لقتال المسلمين فلا يقومون لهم ثم تجردوا يومًا للحرب فقاتلهم المسلمون فلم يثبتوا لهم فنزلوا ووقع سهم في زهير بن الحوية فقال زهرة‏:‏ أخرجوه فقال‏:‏ دعوني فإن نفسي معي ما دام فيّ لعلي أصيب منهم بطعنة أو ضربة أو خطوة فمضى نحو العدو فضرب بسيفه شهربراز فقتله ثم أحيط به فقتل‏.‏

كل هذا وملكهم متحصن في مدينته فبعث إلى المسلمين رسولًا يقول لهم‏:‏ إن الملك يقول لكم هل لكم في المصالحة على أن لنا ما يلينا من دجلة وجبلنا ولكم ما يليكم من دجلة إلى جبلكم أما شبعتم لا أشبع اللّه بطونكم‏.‏

فكلمه الأسود بن قطبة بكلمات فولى فقيل له‏:‏ ما قلت له قال‏:‏ واللّه ما أدري وإنما هي كلمات جرت على لساني‏.‏

فخرج من القوم رجل يستأمن فأمنوه فقال‏:‏ واللّه ما بقي في المدينة أحد فما يمنعكم فتسورها الرجال وقالوا له‏:‏ لأي شيء هربوا فقال‏:‏ بعث الملك يعرض عليكم الصلح فأجبتموه بأنه لا يكون بيننا وبينك صلح حتى نأكل من عسل أفريذين بأترج كوثى‏.‏

فلما دخل سعد والمسلمون بهرسير وهي المدينة الدنيا طلبوا السفن ليعبروا إلى المدينة القصوى وهي المدائن فلم يقدروا على شيء ووجدوا القوم قد ضموا السفن ولاح للمسلمين الأبيض فكبروا وقالوا‏:‏ هذا أبيض كسرى هذا ما وعد الله ورسوله‏.‏

فأقاموا ببهرسير أيامًا من صفر ثم جاء أعلاج فدلوهم على مخاضة فتردد سعد في ذلك ثم فاجأهم المدّ فرأى رؤيا أن خيول المسلمين قد اقتحمت فعبرت فقال للناس‏:‏ إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم فقالوا‏:‏ عزم اللّه لنا ولك على الرشد فافعل‏.‏

وأتى بعض العلوج فقال لسعد‏:‏ إن أقمت ثلاثًا ذهب يزدجرد بكل شيء من المدائن فهيجه على العبور‏.‏

فقال سعد‏:‏ من يبدأ ويحمي لنا الفراض حتى تتلاحق به الناس لكيلا يمنعوهم من الخروج‏.‏

فانتدب له عاصم بن عمرو أول الناس وانتدب معه ستمائة من أهل النجدات فسار فيهم عاصم حتى وقف على شاطىء دجلة ثم اقتحموا‏.‏

فجاءت الأعاجم فقال عاصم‏:‏ الرماح فطعنوا القوم فلحقوهم فقتلوا عامتهم‏.‏

فحينئذ أذن سعد للناس في الاقتحام فاقتحموا دجلة وإنها لترمى بالزَّبد وإن الناس ليتحدثون في عومهم كما يتحدثون على وجه الأرض فكان الفرس يقوم براكبه فربما لم يبلغ الماء الحزام وربما أعيا الفرس فتظهر له تلعة فيستريح عليها‏.‏

وكان سعد يقول في عومه‏:‏ حسبنا اللّه ونعم الوكيل وسلمان يحادثه في عومه حتى خرجوا فلم يفقدوا شيئًا ولم يغرق إلا رجل وقع من فرسه في الماء فعاد إليه رجل فأخذ بيده فعبر‏.‏

ووقع من رجل قدح فأخذه آخر فجاء به إلى العسكر فعرفه صاحبه‏.‏

فلما رأى العدو ذلك هربوا لا يلوون على شيء وجعلوا يقولون‏:‏ إنما تقاتلون الجن لا الإنس وتركوا جمهور أموالهم وكان في بيوت الأموال ثلاثة ألف ألف فأخذوا نصف ذلك وهربوا وتركوا الباقي وخرجوا من المتاع بما يقدرون عليه وتركوا من الثياب والمتاع والأواني وما أعدوا للحصار من البقر والغنم والطعام ما لا يحصى قيمته‏.‏

وكان يزدجرد قد أخرج عياله إلى حلوان فلحق بعياله فدخل المسلمون المدائن وليس فيها أحد إلا أنه قد بقي في القصر الأبيض قوم قد تحصنوا به فعرض عليهم المسلمون الإسلام أو الجزية أو القتل فاختاروا الجزية‏.‏

ونزل سعد القصر الأبيض واتخذ الإيوان مصلى وجعل يقرأ‏:‏ ‏{‏كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَناتٍ وَعُيُون وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا أخَرِين‏}‏ الدخان 25 - 28

وأتم الصلاة ثم دخلها لأنه كان على نية الإقامة وصلى الجمعة وكانت أول جمعة جمعت بالعراق جمعة المدائن‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ أخبرنا الحسين بن عمر بن برهان وعلي بن محمد المعدل قالا‏:‏ أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق أخبرنا أبو عوف البزوري حدَّثنا عمرو بن حماد يعني بن طلحة القناد حدَثنا أسباط عن سماك عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ليفتتحن رهط من المسلمين كنز كسرى الني في الأبيض ‏"‏‏.‏

فكنت أنا وأبي منهم فأصبنا من ذلك ألفي درهم‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أنبأنا ابن رزق حدِّثنا إبراهيم بن محمد المزكي أخبرنا محمد بن إسحاق السراج حدَّثنا سعدان بن نصر حدَّثنا شبابة بن سوار حدَّثنا أيوب بن طهمان‏:‏ أنه رأى علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه حين دخل الإيوان بالمدائن أمر بالتماثيل التي في القبلة فقطع رؤوسها ثم صلى فيها‏.‏

فصل في ذكر قسم الفيء الذي أصيب بالمدائن

قال علماء السير‏:‏ وقسم سعد الفيء بعدما خمسه فأصاب الفارس إثنا عشر ألفًا وقسم دور المدائن بين الناس وبعث إلى العيالات فأنزلوهم إياها وأقاموا بالمدائن حين فرغوا من جلولاء وحلوان وتكريت والموصل ثم تحولوا إلى الكوفة بعدُ‏.‏

وبعث سعد في آثار القوم زهرة في جماعة وأمره أن يبلغ جسر النهروان فبلغوا هناك ثم رجعوا ومضى المشركون نحو حلوان‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور أخبرنا المخلص أخبرنا أحمد بن عبد اللّه بن سيف أخبرنا السري بن يحيى حدَثنا شعيب بن إبراهيم حدَثنا سيف بن عمر عن النضر بن السري عن ابن الرفيل عن أبيه الرفيل قال‏:‏ خرج زهرة يتبعهم حتى انتهى إلى جسر النهروان وهم عليه فازدحموا عليه فوقع بغل في الماء فكلبوا عليه فقال زهرة‏:‏ إني أقسم باللّه أن لهذا البغل لشأنًا وإلا ما كان القوم كلبوا عليه ولا صبروا للسيوف بهذا الموقف الضنك إلا لشيء بعدما أرادوا تركه وإذا الذي عليه حلية كسرى وثيابه وخرزاته ووشاحه ودرعه التي كان فيه الجوهر وكان يجلس فيها للمباهاة وترجل زهرة يومئذ حتى إذا أزاحهم أمر أصحابه بالبغل فاحتملوه فأخرجوه فجاءوا بما عليه حتى ردوه إلى الأقباض ما يدرون ما عليه‏.‏

وعن سيف عن الأعمش عن حبيب بن صهبان قال‏:‏ دخلنا المدائن فأتينا على قباب تركية مملوءة سلالًا مختمة بالرصاص فما حسبناها إلا طعامًا فإذا هي آنية الذهب والفضة فقسمت بعد في الناس‏.‏

وقال حبيب لا‏:‏ وقد رأيت الرجل يطوف ويقول‏:‏ من معه بيضاء بصفراء‏.‏

وأتينا على كافور كثير فما حسبناه إلا ملحًا فجعلنا نعجن به حتى وجدنا مرارته في الخبز‏.‏

قال‏:‏ وحدَّثنا سيف عن عبدة بن معتب عن رجل من بني الحارث بن طريف عن عصمة بن الحارث الضبي قال‏:‏ خرجت فيمن خرج يطلب فإذا حمار معه حمار فلما رآني حثه حتى لحق بآخر قدامه فحثا حماريهما فانتهيا إلى جدول قد كسر جسره فأتيتهما فقتلت واحدًا منهما وأفلت الآخر فرجعت إلى الحمارين فأتيت بهما صاحب الأقباض فنظر ما عليهما فإذا على أحدهما سفطان في أحدهما فرس من ذهب مسرج بسرج فضة على ثغره ولببه الياقوت والزمرد منظوم على الفضة ولجام كذلك وفارس من فضة مكلل بالجوهر وإذا في الآخر ناقة من فضة عليها شليل من ذهب وبطان من ذهب ولها زمام من ذهب وكل ذلك منظوم بالياقوت وإذا عليها رجلٌ من ذهب مكلل بالجوهر كان كسرى يضعهما على أسطوانة التاج‏.‏

قال‏:‏ وحدَّثنا سيف عن هبيرة بن الأشعث عن أبي عبيدة العنبري قال‏:‏ لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الأقباض أقبل رجل بحُقّ معه فدفعه إلى صاحب الأقباض فقال الذي معه ما رأينا مثل هذا قط ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه فقالوا له‏:‏ هل أخذت منه شيئًا فقال‏:‏ أما واللّه لولا اللّه ما أتيتكم به فعرفوا أن للرجل شأنًا فقالوا‏:‏ من أنت‏.‏

فقال‏:‏ واللّه ما أخبركم لتحمدوني ولا غيركم ليقرظوني ولكني أحمد اللّه وأرضى بثوابه‏.‏

فأتبعوه رجلًا حتى انتهى إلى أصحابه فسأل عنه فإذا هو عامر بن عبد قيس‏.‏

قال‏:‏ وحدَّثنا سيف عن مبشر بن الفضيل عن جابر بن عبد اللّه قال‏:‏ والله الذي لا إله إلا هو ما أطلعنا على أحد من أهل القادسية أنه يريد الدنيا مع الآخرة ولقد اتهمنا ثلاثة نفر فما رأينا كما هجمنا عليه من أمانتهم وزهدهم‏:‏ طليحة بن خويلد وعمرو بن معدي كرب وقيس بن المكشوح‏.‏

قال‏:‏ وحدَّثنا سيف عن مخلد بن قيس العجلي عن أبيه قال‏:‏ لما قدم بسيف كسرى ومِنْطقته على عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‏:‏ إن أقوامًا أدوا هذا لذوو أمانة فقال علي رضي الله عنه‏:‏ إنك عففت فعفت الرعية‏.‏

وقال‏:‏ وحدّثنا سيف عن محمد وطلحة وزياد والمهلب قالوا‏:‏ جمع سعد الخمس واُدخل فيه كل شيء أراد أن يعجب به عمر من ثياب كسرى وحليه وسيفه ونحو ذلك وفضل بعد القسم بين الناس وأخرج خمس القطف وهو بساط فلم تعتدل قيمته فقال للمسلمين‏:‏ هل لكم في أن تطيب أنفسنا عن أربعة أخماس ونبعثه إلى عمر فيضعه حيث يرى قالوا‏:‏ نعم فبعث به وكان ستين ذراعًا في ستين ذراعًا فيه طرق كالأنهار وقصور كالدور وفي حافاته كالأرض المزروعة المبقلة بالنبات في الربيع‏.‏

فلما قدم على عمر رضي اللّه عنه قال‏:‏ أشيروا عليّ فيه قالوا‏:‏ قد جعل ذلك لك فَر رأيك إلا ما كان من علي رضي الله عنه فإنه قال‏:‏ يا أمير المؤمنين الأمر كما قالوا ولم يبق إلا التروية إنك إن تقبله على هذا اليوم لم تعدم في غد من يستحق به ما ليس له فقال‏:‏ صدقتني فقطعه بينهم‏.‏

قال‏:‏ وحدَّثنا سيف عن عبد الملك بن عمير قال‏:‏ أصاب المسلمون يوم المدائن بَهار كسرى وكانوا يعدونه للشتاء إذا ذهبت الرياحين فكانوا إذا أرادوا الشرب شربوا عليه فكأنهم في رياض وكان بساط واحد ستين ذراعًا في ستين أرضه مذهب ووشيه بفصوص ومموه بجوهر وورقه بحرير وماؤه ذهب وكانت العرب تسميه القطف فلما قسم سعد فيهم فضل عنهم ولم يتفق قسمه فجمع سعد المسلمين فقال‏:‏ إن اللّه تعالى قد ملأ أيديكم وقد عسر قسم هذا البساط ولا يقوى على شرائه أحد فأرى أن تطيبوا به أنفسنا لأمير المؤمنين يضعه حيث شاء ففعلوا‏.‏

فلما قدم على عمر المدينة جمع الناس فاستشارهم في البساط فمن بين مشير بقبضه وآخر مفوض إليه وآخر مرقق فقام علي رضي الله عنه فقال‏:‏ لم تجعل علمك جهلًا ويقينك شكًا إنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيتَ أو لبست فأبليت أو أكلت فأفنيت فقال‏:‏ صدقتني فقطعه فقسمه بين الناس فأصاب عليًا رضي الله عنه قطعة منه فباعها بعشرين ألفًا وما هي بأجود تلك القطع‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال‏:‏ حدَثنا أبو العباس المبرد قال‏:‏ أخبرني القاسم بن سهل النوشجاني‏:‏ إن ستر باب الإيوان أخرقه المسلمون لما افتتحوا المدائن فأخرجوا منه ألف ألف مثقال ذهبًا فبيع المثقال بعشرة دراهم فبلغ عشرة آلاف ألف ألف درهم‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن عبد اللّه المعدل قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن صفوان البرذعي قال‏:‏ حدَّثنا عبد اللّه بن محمد بن أبي الدنيا قال‏:‏ حدَثنا عبد الرحمن بن صالح قال‏:‏ أبو بكر بن عياش‏:‏ لما خرج علي بن أبي طالب إلى صفين مر بخراب فتمثل رجل من أصحابه‏:‏ إذا النعيم وكل ما يلهى به يومًا يصير إلى بلى ونفاذ فقال علي رضي اللّه عنه‏:‏ لا تقل هكذا ولكن قل كما قال اللّه عز وجل‏:‏ ‏{‏كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قومًا آخرين‏}‏ [الدخان 25: 28] ‏.‏

إن هؤلاء القوم كانوا وارثين فأصبحوا موروثين وإن هؤلاء القوم استحلوا الحرام فحلت بهم النقم فلا تستحلوا الحرام فتحل بكم النقم‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن عبد اللّه المعدل أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق حدَّثنا محمد بن أحمد بن البراء أخبرنا القاسم بن أبي شيبة حدَّثنا حفص بن غياث عن الشيباني عن أبي عون عن السائب بن الأقرع‏:‏ أنه كان جالسًا في إيوان كسرى فنظر إلى تمثال يشير بأصبعه إلى موضع قال‏:‏ فوقع في روعي أنه يشير إلى كنز قال‏:‏ فاحتفرت ذلك الموضع فاستخرجت كنزًا عظيمًا فكتبت إلى عمر أخبره فكتب إن هذا شيء أفاءه الله عليه دون المسلمين‏.‏

قال فكتب إليه عمر‏:‏ إنك أمير من أمراء المسلمين فاقسمه بين المسلمين‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمران المرزباني قال‏:‏ حدَّثنا أبو الحسين عبد الواحد بن محمد الحسيني قال‏:‏ حدثني أحمد بن إسماعيل قال‏:‏ لما صارت الخلافة إلى المنصور هَم بنقض إيوان المدائن فاستشار جماعة من أصحابه فكلهم أشار بمثل ما همَّ به وكان معه كاتب من الفرس فاستشاره في ذلك فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين أتعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من تلك القرية وكان له بها مثل ذلك المنزل ولأصحابه مثل تلك الحجر فخرج أصحاب ذلك الرسول حتى جاءوا مع ضعفهم إلى صاحب هذا الإيوان مع عزته وصعوبة أمره فغلبوه وأخذوه من يده قسرًا ثم قتلوه فيجيء الجائي من أقاصي الأرض فينظر إلى تلك المدينة وإلى هذا الأيوان ويعلم أن صاحبها قهر صاحب هذا الإيوان فلا يشك أنه بأمر اللّه وأنه هو الذي أيده وكان معه ومع أصحابه وفي تركه فخر لكم‏.‏

فاستغشه المنصور واتهمه لقرابته من القوم ثم بعث في نقض الإيوان فنقض منه الشيء اليسير ثم كتب إليه‏:‏ إننا نغرم في نقضه أكثر مما نسترجع منه إن هذا تلف الأموال وذهابها‏.‏

فدعا الكاتب فاستشاره فيما كتب إليه به فقال‏:‏ لقد كنت أشرت بشيء لم تقبل مني فأما الآن فإني آنف لكم أن يكونوا أولئك يبنون بناء تعجزون أنتم عن هدمه والصواب أن تبلغ به الماء ففكر المنصور فعلم أنه قد صدق فإذا هدمه يتلف الأموال فأمر بالأمساك عنه‏.‏

ومن الحوادث في هذه السنة وقعة جلولاء لما توطن المسلمون المدائن وبعثوا إلى عمر بالأخماس أتاهم الخبر بأن مهران قد عسكر بجلولاء وخندق وأن أهل الموصل قد عسكروا بتكريت‏.‏

فكتب سعد بذلك إلى عمر رضي اللّه عنه فكتب إليه‏:‏ أن سرح هاشم بن عتبة إلى جَلُولاء في اثني عشر ألفًا واجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو وعلى ميمنته سعد بن مالك وعلى ميسرته عمرو بن مالك بن عتبة وعلى ساقته عمرو بن مرة الجهني‏.‏

وكان الأعاجم لما هربوا من المدائن إلى جلولاء قالوا‏:‏ إن افترقتم لم تجتمعوا أبدًا فهلموا فلنجتمع للعرب ولنقاتلهم فإن كانت لنا فهو الذي نريد وإن كانت علينا كنا قد قضينا الذي علينا فاحتفروا الخندق واجتمعوا على مهران الرازي ونفذ يزدجرد إلى حلوان فنزل بها ورماهم بالرجال والأموال‏.‏

ففصل هاشم بن عتبة بالناس من المدائن في صفر سنة ست عشرة في اثني عشر ألفًا فيهم وجوه المهاجرين والأنصار وأعلام العرب فقدم جلولاء فحاصرهم فخرجوا على المسلمين فاققتلوا وبعث اللّه عز وجل عليهم ريحًا أظلمت عليهم البلاد فتهافتت فرسانهم في الخندق ثم اقتتلوا قتالًا شديدًا لم ير مثله وانهزموا واتبعهم المسلمون وقتل منهم يومئذ مائة ألف فجللت القتلى المجال وما بين يديهما حوله فسميت جلولاء لما جللها من قتلاهم‏.‏

وطلبهم القعقاع حتى بلغ خانقين فأدرك مهران فقتله ولما بلغت الهزيمة يزدجرد سار من حلوان نحو الجبل واقتسم في جلولاء على كل فارس سبعة آلاف وتسعة من الدواب‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين الحاجي وإسماعيل بن أحمد السمرقندي قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور أخبرنا المخلص أخبرنا أحمد بن عبد اللهّ بن سيف أخبرنا السري بن يحيى أخبرنا شعيب بن إبرإهيم عن سيف بن عمر التميمي عن مجالد عن الشعبي قال‏:‏ اقتسم الناس في جلولاء على ثلاثين ألف ألف وكان الخمس ستة آلاف ألف‏.‏

وحدَثنا سيف عن زهرة ومحمد عن أبي سلمة قال‏:‏ لما قدم على عمر بالأخماس من جلولاء قال عمر‏:‏ والله لا يُجنّه سقف بيت حتى أقسمه‏.‏

فباتَ عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن أرقم يحرسانه في المسجد فلما أصبح عمر جاء فكشف عنه الأنطاع فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده ولؤلؤه وجوهره بكى فقال له عبد الرحمن‏:‏ ما يبكيك يا أمير المؤمنين والله إن هذا لموطن شكر فقال عمر‏:‏ واللّه ما ذاك يبكيني وتالله ما أعطى اللّه هذا قومًا إلا تحاسدوا وتباغضوا ولا تحاسدوا إلا ألقى بأسهم بينهم‏.‏

أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن الحسن قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكيِ قال‏:‏ حدَثنا محمد بن زكريا قال‏:‏ حدَثنا عبد اللهّ بن سلمان قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن يحيى الحنيني قال‏:‏ حدَّثنا أبو أسامة عن الصلتَ قال‏:‏ حدَثني جميع بن عمير الليثي قال‏:‏ سمعت عبد الله بن عمر يقول‏:‏ شهدت جلولاء وابتعت من الغنائم بأربعين ألفًا فقدمت بها إلى المدينة على عمر فقال‏:‏ ما هذا فقلت‏:‏ ابتعت من الغنائم بأربعين ألفًا فقال‏:‏ يا عبد الله لو انطلق بي إلى الناس كنت مفتدى قلت‏:‏ نعم بكل شيء أملك قال‏:‏ فإني مخاصم وكأني بك تبابع والناس بجلولاء يقولون‏:‏ هذا عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين وأكرم أهله عليه وأن يرخصوا عليك كذا وكذا درهمًا أحب إليهم من أن يغلوا عليك بدرهم وسأعطيك من الربح أفضل ما ربح رجل من قريِش‏.‏

ثم أتى باب صفية بنت أبي عبيد فقال‏:‏ يا بنت أبي عبيد اقتسمت عليك أن تخرجي من بيتك شيئًا أو تخرجن منه وإن كان عنق ظبية فقالت‏:‏ يا أمير المؤمنين لك ذلك‏.‏

ثم تركني سبعة أيام ثم دعى التجار ثم قال‏:‏ يا عبد اللّه بن عمر إني مسؤول قال‏:‏ فباع من التجار متاعًا بأربعمائة ألف فأعطاني ثمانين ألفًا وأرسل ثلاثمائة وعشرين ألفًا إلى سعد فقال‏:‏ اقسم هذا المال في من شهد الوقعة وإن كان أحدهم مات فابعث نصيبه إلى ورثته‏.‏

وكان فتح جلولاء في ذي القعدة سنة ست عشرة وبينها وبين المدائن تسعة أشهر‏.‏

وكان من الحوادث في هذه السنة

 يوم حلوان

أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين وأبو القاسم إسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن النقور أخبرنا أبو طاهر المخلص أخبرنا أحمد بن عبد اللّه بن سيف أخبرنا السري بن يحيى أخبرنا شعيب بن إبراهيم حدًثنا سيف بن عمر عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد قالوا‏:‏ كان عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد‏:‏ إن فتح اللّه عليكم جلولاء فسرح القعقاع بن عمرو في آثار القوم حتى ينزل بحلوان فيكون ردءًا للمسلمين ويحرز اللّه لكم سوادكم‏.‏

فلما هزم اللّه عز وجل أهل جلولاء أقام هاشم بن عتبة بجلولاء وخرج القعقاع بن عمرو في آثار القوم إلى خانقين فأدرك سبيَاَ من سبيهم وقتل مهران وخلقا وأفلت الفيرزان ولما بلغ يزدجرد هزيمة أهل جلولاء ومصاب مهران خرج من حلوان سائرًا نحو الري وخلف بحلوان خيلًا عليها خسْرَوْ شُنُوم فأقبل القعقاع حتى إذا كان بقصر شيرين على رأس فرسخ من حلوان خرج إليه خُسْرَوْ شُنُوم وقدم دهقان حلوان فلقيه القعقاع فاقتتلوا على القصر فقتل الدهقان وهرب خُسْرَوْ شُنُوم واستولى المسلمون على حلوان ولم يزل القعقاع على الثغر إلى أن تحول سعد عن المدائن إلى الكوفة فلحق به‏.‏

ومن الحوادث في هذه السنة يوم تكريت وكان في جمادى‏.‏

قهر المسلمون أهلها وقسموا وقسموا للفارس ثلاثة آلاف وللرجال ألفًا‏.‏

 ذكر فتح ما سَبَذان

وقهروا أهل ما سَبَذان وأخذوها عنوة فتطاير أهلها في الجبال ثم استجابوا للمسلمين‏.‏

ذكر فتح قرقيسياء ثم أخذ المسلمون قرقيسياء عنوة‏.‏

أم سليم بنت ملحان

ابن خالد بن زيد بن حرام وهي الرميصاء‏:‏ واختلفوا في اسمها فروى البغوي عن علي بن المديني قال‏:‏ اسمها مليكة ولقبها الرميصاء‏.‏

وقال غيره‏:‏ اسمها سهيلة وقيل‏:‏ رُمَيْلة وقيل‏:‏ رميثة وقيل‏:‏ أنيفة‏.‏

تزوجها مالك بن النضر فولدت له أنس بن مالك ثم لقيه عدو فقتله فخطبها أبو طلحة‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن سلمان قال‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الأصبهاني قال‏:‏ حدَّثنا سليمان بن أحمد قال‏:‏ حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم قال‏:‏ حدَثنا عبد الرزاق قال‏:‏ حدَّثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال‏:‏ خطب أبو طلحة أم سليم قبل أن يسلم فقالت أما أني فيك لراغبة وما مثلك يرد ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة فإن تسلم فذاك مهري ولا أسألك غيره فأسلم أبو طلحة فتزوجها‏.‏

أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدَّثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدَّثني أبي حدَّثنا أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال‏:‏ جاء أبو طلحة يوم حنين يضحك إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من أم سليم فقال‏:‏ يا رسول الله ألم تر إلى أم سليم معها خنجر فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ما تصنعين يا أم سليم ‏"‏ قالت‏:‏ أردت إن دنا مني أحد منهم طعنته‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر قال‏:‏ أنبأنا أبو محمد الجوهري أخبرنا ابن حيوية أخبرنا ابن معروف حدَثنا الحسين بن الفهم حدًثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن الفضيل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن حسين بن أبي سفيان عن أنس بن مالك قال‏:‏ زار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أم سليم فصلى في بيتها تطوعًا وقال‏:‏ ‏"‏ يا أم سليم إذا صليت المكتوبة فقولي‏:‏ سبحان اللّه عشرًا والحمد للّه عشرًا واللّه أكبر عشرًا ثم سلي اللّه ما شئت فإنه يقال لك نعم نعم نعم ‏"‏‏.‏

أخبرنا أبو الفتح بن عبد الباقي أخبرنا أبو الفضل بن أحمد الحداد أخبرنا أبو نعيم الأصبهاني حدَّثنا سليمان حدَّثنا علي بن سعيد الرازي حدَثنا محمد بن سلم بن دارة حدَّثنا محمد بن سعد بن سابق حدَثنا عمرو بن أبي قيس عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة عن أم سليم قالت‏:‏ توفي ابن لي وزوجي غائب فقمت فسجيته في ناحية من البيت فقدم زوجي فتطيبت له فوقع عليّ ثم أتيته بطعام فجعل يأكل فقلت‏:‏ ألا أعجبك من جيراننا قال‏:‏ وما لهم قلت‏:‏ أعيروا عارية فلما طلبت منهم جزعوا قال‏:‏ بئس ما صنعوا فقلت‏:‏ هو ابنك فقال‏:‏ لا جرم لا تغلبيني على الصبر الليلة فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال‏:‏ ‏"‏ بتما عروسين وهو إلى جانبكما ‏"‏ اللهم بارك لهم في ليلتهم ‏"‏ فلقد رأيت لهم بعد ذلك في المسجد سبعة كلهم قد قرأوا القرآن‏.‏

سعد بن عبيد

ابن النعمان بن قيس وهو الذي يقال له سعد القاري ويكنى أبا زيد‏:‏ ويروي الكوفيون أنه ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

ابنه عمر بن سعد ولاه عمر على بعض الشام‏.‏

وقتل سعد شهيدًا يوم القادسية وهو ابن أربع وستين سنة‏.‏

مارية القبطية

أهداها المقوقس إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فوطئها بملك اليمين فولدت منه إبراهيم ومات رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر رضي اللّه عنه ينفق عليها حتى توفي ثم أنفق عليها عمر رضي الله عنها فتوفيت في محرم هذه السنة فجمع عمر الناس لشهود جنازتها وصلى عليها وقبرها بالبقيع‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع عشرة

فمن الحوادث فيها

 اختطاط الكوفة

وتحول سعد بن أبي وقاص إليها وقد كان مكان الكوفة معروفًا أخبرنا أبو المناقب حيدرة بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن حمزة الكوفي أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن علي بن عبد الرحمن الحسني أخبرنا محمد بن الحسين بن جعفر السلمي أخبرنا عبد اللّه بن زيدان العجلي أخبرنا إبراهيم بن قتيبة عن عمرو بن شبيب عن صدقة بن المثنى النخعي قال‏:‏ إن إبراهيم خليل الرحمن خرج من كوثي مهاجرًا إلى اللهّ عز وجل على حمار ومعه ابن أخيه لوط يسوق غنمًا ويحمل دلوًا على عنقه حتى نزل بانقيا وكان بها قرية طولها اثنا عشر فرسخًا وكانوا يزلزلون كل ليلة فلما بات بها إبراهيم لم يزلزلوا تلك الليلة فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا‏:‏ بتم بمثل هذه الليلة قط فقالوا‏:‏ لا فقال صاحب منزل إبراهيم عليه السلام‏:‏ إن كان دفع عنكم بشيء فبشيخ بات عندي البارحة لم يزل يصلي حتى أصبح فأتوه فقالوا‏:‏ إنما خرجت لطلب المعيشة فأقم فينا ونقاسمك شطر أموالنا فتكون أكثر الناس مالًا قال‏:‏ ليس لذلك خرجت إنما خرجت مهاجرأ إلى الله فخرج حتى نزل القادسية فأتته عجوز فقالت‏:‏ إني أراك شيخًا حسن الهيئة وأراك شعثًا فهل لك أن آتيك بغسول تغسل به رأسك ولحيتك‏.‏

قال‏:‏ ما شئت فأتته بغسول فغسل رأسه ولحيته فأفاض عليه من الماء وأخذ فضل ما بقي من الإناء فابعد وقال‏:‏ كوني مقدسة للقادسية منك يخرج وفد الله وفيك موضع رحالهم فسمت بدعوة إبراهيم القادسية‏.‏ثم خرج نحو الشام فمر بالنجف فرأى فيه علامات وكان يقرأها في الكتب فقال‏:‏ لمن هذا الجبل فقالوا‏:‏ لأهل القرية التي بت فيها يعنون بانقيا فأتاهم إبراهيم فظنوا أنه أتاهم للذي عرضوا عليه فقال‏:‏ بيعوني أرضكم هذه يعني ظهر الكوفة فقالوا هي لك ما ملكنا أرضًا هي أقل خيرًا منها ما تنبت رعيًا ولا لنا فيها منفعة فاشتراها منهم بغنمه‏.‏

قال أبو عبد الله الحسني‏:‏ وحدَّثنا محمد بن عبد اللّه الجعفي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سعيد إجازة قال‏:‏ حدَّثنا علي بن الحسن البجلي قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن عيسى العيسي عن عيسى بن عبد اللّه قال‏:‏ حدَّثني أبي عن أبيه عن جده عن علي رضي اللّه عنه قال‏:‏ من مسجد الكوفة فار التنور وكان بيت نوح عليه السلام ومسجده ثم جاء إبراهيم خليل الرحمن إلى كوثى وبها ابن أخيه فأقام عنده غير كثير ثم خرج حتى جاء إلى مسجد الكوفة فكلم ملكًا كان عليها وقال له‏:‏ إني أحب أن تبيعني هذا المكان لمسجد الكوفة وكان ذلك الملك تزلزل به كل ليلة الأرض فلما صار إبراهيم إليه كف اللهّ عز وجل تلك الزلزلة فقال‏:‏ الملك يدعو لك فقال‏:‏ ما أريد أخذه إلا بثمن قال‏:‏ فاشتره بما شئت قال‏:‏ فإني آخذه بأتاني هذه وشاتي قال‏:‏ أما الشاة فليس معك زاد إلا لبنها تشربه وأما الأتان فهلمها نحن نأخذها فاشتراها بالأتان‏.‏

فبدأ أساس نوح وبناه بناء لاطيًا على نحو من ذراع أو ذراعين ثم سار هو ولوط إلى الشام‏.‏

قال أبو عبد اللّه‏:‏ حدَّثنا محمد بن العباس الحذاء قال‏:‏ حدَثنا أحمد بن محمد قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن حميد قال‏:‏ حدَّثنا عبد الرحمن بن يونس عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال‏:‏ لما نزل المسلمون المدائن إصفرت ألوانهم وعظمت بطونهم ودقت عظامهم وذلك لما اجتووها فكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يطلبوا منزلًا غيره فنزلوا الكوفة فوفدنا إلى عمر فقال‏:‏ إني لأعرف فضل منزلكم هذا على الآخر فصفوه لي فقلنا‏:‏ هي آخر السواد في العرب وهي أرض برية بحرية أرض شيح وقيصوم وأرض ضب وحوت‏.‏

قال حسين بن حميد‏:‏ وحدَّثنا عثمان بن أبي شيبة قال‏:‏ حدَّثنا قبيصة عن سفيان قال‏:‏ أول من بنى الكوفة بالآجر خباب بن الأرت وعبد اللّه بن مسعود‏.‏

قال لي أبو عبد الله‏:‏ وحدَّثنا أبو الحسين محمد بن علي بن عامر الكندي قال‏:‏ حدَّثنا علي بن الحسن بن إسماعيل البزار قال‏:‏ حدَّثنا بشر بن عبد الوهاب ذكر أنه قدر الكوفة فكانت ستة عشر ميلًا وثلثي ميل وذكر أن فيها خمسة آلاف دار للعرب من ربيعة ومضر وأربعة عشر ألف دار لسائر العرب وستة وثلاثين ألف دار لليمنيين‏.‏

أخبرني بذلك في سنة أربع وستين ومائتين‏.‏

قال أبو عبد الله‏:‏ وأخبرنا زيد بن مروان إجازة قال‏:‏ حدَّثنا علي بن محمد قال‏:‏ حدَّثنا إبراهيم بن إسماعيل الطلحي قال‏:‏ حدَثنا أبي قال‏:‏ رأيت بالكوفة في مسجد الجامع مائة حلقة فقه‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين أخبرنا أبو الحسين بن النقور أخبرنا أبو طاهر المخلص أخبرنا أحمد بن عبد اللّه حدَثنا السري بن يحيى حدَثنا شعيب بن إبراهيم حدَثنا سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد قالوا‏:‏ لما جاء فتح جلولاء وحلوان ونزل القعقاع بن عمرو بحلوان فيمن معه وجاء فتح تكريت والحصنين وقدمت الوفود بذلك على عمر قال لهم‏:‏ ما غيركم قالوا‏:‏ وُخومة البلاد فنظر في حوائجهم وعجل سراحهم‏.‏

وكتب عمر إلى سعد‏:‏ أنبئني ما الذي غير لون العرب ولحومهم فكتب إليه‏:‏ وخومة المدائن ودجلة فكتب إلية‏:‏ إن العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان فابعث سلمان رائدًا وحذيفة فليرتادا منزلًا بريًا بحريًا ليس بيني وبينكم بحر ولا جسر‏.‏

فبعث حذيفة وسلمان فخرج سلمان فسار لا يرضى شيئًا حتى أتى الكوفة وخرج حذيفة حتى أتى الكوفة وفيها ديرات ثلاثة فأعجبتهما البقعة فنزلا فصليا وقالا‏:‏ اللهم بارك لنا في هذه الكوفة واجعله منزل ثبات ورجعا إلى سعد بالخبر فارتحل سعد بالناس من المدائن حتى عسكر بالكوفة في محرم سنة سبع عشرة وكان بين وقعة المدائن ونزول الكوفة أحد عشر شهرًا‏.‏

فكتب سعد إلى عمر‏:‏ إني قد نزلت بكوفة منزلًا بين الحيرة والفرات بريَاَ بحريًا ينبت الجلي والنِّصِيّ وخيرت المسلمين بالمدائن فمن أعجبه المقام فيها تركته كالمسلحة‏.‏

وحدَثنا سيف عن يحيى التيمي عن أبي ماجد قال‏:‏ قال عمر رضي اللّه عنه‏:‏ الكوفة رمح الإسلام وقبة الإسلام وحجة العرب يكفون ثغورهم ويمدون الأمصار‏.‏

أخبرنا سيف عن سعد عن الأصبغ عن علي رضي الله عنه انه قال‏:‏ إن الكوفة لقبة الإسلام وليأتين عليها زمان لا يبقى مؤمن إلا أتاها أو حن إليها واللّه لينصرن الله بأهلها كما انتصر بالحجارة من قوم لوط‏.‏

وفي هذه السنة